خطبة عيد الأضحى المبارك المذاعة والموزعة
بتاريخ 10 من ذي الحجة 1444هـ - الموافق 28 /6 /2023م
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَنَا بِالْإِسْلَامِ، وَجَعَلَنَا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْأَنَامِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ - وَتَزَوَّدُوا لِيَوْمِ الْمَعَادِ؛ ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197] .
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ الْعِيدَ فِي الْإِسْلَامِ شُكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى عَظِيمِ مِنَنِهِ وَجَزِيلِ عَطَائِهِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَوَّلِهِ وَأَثْنَائِهِ. وَإِذَا كَانَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَعْيَادٌ تَحْتَفِي بِهَا، وَتَفْرَحُ فِيهَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ اخْتَصَّ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ بِعِيدَيْنِ هُمَا:
عِيدُ الْفِطْرِ وَعِيدُ الْأَضْحَى؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: »مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ «؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: »إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ« [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
كَمَا أَنَّ الْعِيدَ فِي الْإِسْلَامِ تَتَجَلَّى فِيهِ مَظَاهِرُ الطَّاعَاتِ الْقَائِمَةُ عَلَى أَسَاسِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَفِيهِ تَكْبِيرٌ وَصَلَاةٌ، وَصَدَقَةٌ وَتَحَابٌّ وَصِلَةُ أَرْحَامٍ، بَعِيدًا عَنْ مَظَاهِرِ الشِّرْكِ وَتَعْظِيمِ غَيْرِ اللهِ، وَبَعِيدًا عَنْ مَظَاهِرِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ، الَّتِي كَثِيرًا مَا تَكُونُ مِنْ شَعَائِرِ الْأَعْيَادِ لَدَى الْأُمَمِ الْأُخْرَى. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْعِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْمَالِهِ: صَلَاةُ الْعِيدِ، الَّتِي حَثَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنْ يَشْهَدَهَا الْمُسْلِمُونَ حَتَّى النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ؛ فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَمَرَنَا- تَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ: الْعَوَاتِقَ ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] [وَالْعَوَاتِقُ: الْبَنَاتُ الْبَالِغَاتُ، وَذَوَاتُ الْخُدُورِ: الْمُلَازِمَاتُ لِلْبُيُوتِ].
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ:
إِنَّ الْعِيدَ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَفِيهِ تَذُوبُ الْفَوَارِقُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ، وَتَتَلَاشَى الْعَصَبِيَّاتُ الْعِرْقِيَّةُ، فَتَرَى الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَالْعَرَبِيَّ وَالْأَعْجَمِيَّ يَهْتِفُونَ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ:
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ الْعِيدَ يَوْمُ صَفَاءٍ وَوِئَامٍ، وَفِيهِ يَتَبَادَلُ النَّاسُ الدُّعَاءَ، وَيَتَشَارَكُونَ التَّهَانِيَ وَالتَّبْرِيكَاتِ؛ فَاغْتَنِمُوا فِيهِ الْفُرْصَةَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَطَيِّ صَفْحَةِ الْخِلَافِ. فَيَا أَيُّهَا الْمُتَخَاصِمُونَ بَادِرُوا الْيَوْمَ بِالتَّهْنِئَةِ، وَيَا قَاطِعِي أَرْحَامِكُمُ اغْتَنِمُوا أَيَّامَ الْعِيدِ فَصِلُوهَا، وَيَا أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ اقْتَنِصُوا فُرْصَةَ الْعِيدِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَدَّةِ وَطَمْسِ أَسْبَابِ الشِّقَاقِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :»لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ« [ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِي وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْعِيدَ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ إِظْهَارُ الْفَرَحِ، وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ؛ فَأَظْهِرُوا فِيهِ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَالْأُنْسَ وَالْحُبُورَ، وَاجْتَنِبُوا الْحَرَامَ؛ فَإِنَّ لَكُمْ فِي الْحَلَالِ غُنْيَةً، وَإِيَّاكُمْ وَمَوَارِدَ الْإِثْمِ؛ فَإِنَّ لَكُمْ فِي حِيَاضِ الْمُبَاحِ سَعَةً وَكِفَايَةً؛ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا لَبَّى الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا، وَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا طَافُوا وَسَعَوْا وَشَمَّرُوا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُجْتَـبَى، أَفْضَلُ مَنْ وَطِئَتْ قَدَمُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَخَيْرُ مَنْ صَلَّى فِيهِ وَطَافَ وَقَامَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْكِرَامِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْأُضْحِيَّةَ شَعِيرَةً يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَيْهِ، وَعِبَادَةً تَرْتَفِعُ بِهَا أُجُورُهُمْ لَدَيْهِ، وَمَا الِالْتِزَامُ بِأَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ وَآدَابِهَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِفَاتِهَا وَهَيْئَةِ ذَبْحِهَا إِلَّا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّسْلِيمِ لِلَّهِ عَزَّوَجَلَّ، وَالْخُضُوعِ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِنْ مَظَاهِرِ تَوْحِيدِ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ فِي أُمَّةِ الْإِسْلَامِ، فَمَا زَالَ دَأْبُ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ التَّقَرُّبَ إِلَى آلِهَتِهِمْ بِالذَّبَائِحِ وَالنُّذُورِ، فِي حِينِ يُقَدِّمُ الْمُسْلِمُونَ ذَبَائِحَهُمْ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، مُمْتَثِلِينَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، وَقَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163].
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ إِظْهَارَ التَّقْوَى وَتَحْقِيقَهَا؛ اسْتُحِبَّ تَسْمِينُهَا وَاخْتِيَارُ الأَفْضَلِ مِنْهَا.
وَمِنْ هُنَا نَفْهَمُ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّضْحِيَةِ بِـ »الْعَرْجَاءِ الْبَيِّنِ ظَلَعُهَا، وَالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءِ الَّتِي لَا تُنْقِي « [أَيِ الضَّعِيفَةِ الْخَالِيَةِ مِنَ الشَّحْمِ] [أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنِ الْبَـرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُتَّقِيَ لَا يَتَقَرَّبُ إِلَى رَبِّهِ بِالْمَعِيبِ الرَّدِيءِ، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِأَفْضَلِ مَا يَسْتَطِيعُ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37] .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ (أَيْ أَبْيَضَيْنِ) أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» [أَيْ: صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ] [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشٍ فَقَالَ: »بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ« [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ أَيَّامَ الْعِيدِ كُلَّهَا وَقْتٌ لِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ، حَيْثُ يَبْدَأُ وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَيَسْتَمِرُّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا يُفْعَلُ بِالْأُضْحِيَّةِ أَنْ تُقَسَّمَ أَثْلَاثًا، فَثُلُثٌ يَأْكُلُهُ الْمُضَحِّي وَأَهْلُهُ، وَثُلُثٌ يُهْدِيهِ إِلَى أَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَثُلُثٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28].
يَا أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَاتُ:
لَقَدْ كَرَّمَ الْإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ وَرَفَعَ شَأْنَهَا وَأَعْلَى قَدْرَهَا، وَجَعَلَهَا صِنْوَ الرَّجُلِ فِي أَصْلِ التَّكْلِيفِ، وَسَاوَى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالتَّشْرِيعَاتِ، إِلَّا فِيمَا عَارَضَ أُنُوثَتَهَا فَاقْتَضَى تَخْفِيفًا أَوْ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا؛ فَاتَّقِينَ اللهَ فِي أَنْفُسِكُنَّ، وَحَافِظْنَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهِنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ. وَأَخْرِجْنَ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَاتِ؛ فَإِنَّهَا وِقَايَةٌ مِنَ النَّارِ، وَعَلَيْكُنَّ بِالْحِجَابِ وَالِاحْتِشَامِ، وَلْيَكُنْ لَكُنَّ فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أُسْوَةٌ، وَفِي بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُدْوَةٌ، وَاعْلَمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ نَوَاةُ الْمُجْتَمَعِ؛ فَبِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ، وَبِفَسَادِهَا يَفْسُدُ.
وَلْنَتَعَاوَنْ جَمِيعًا- أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ – عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلْنَـكُنْ فِي مَنْأًى عَنِ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَمَا أَجْمَلَ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّآلُفَ! وَمَا أَعْظَمَ التَّمَاسُكَ وَالتَّكَاتُفَ! إِذَا كَانَ عَلَى أَصْلِ الْمَحَبَّةِ وَالْإِيثَارِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْأُخُوَّةِ وَالْبِرِّ وَالْإِيمَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ سَلِّمِ الْحُجَّاجَ وَالْمُعْتَمِرِينَ، وَرُدَّهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهَيِّئْ لَهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، وَاجْعَلْ بِلَادَنَا بِلَادَ أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَرَخَاءٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَاصْرِفْ عَنْهَا الشُّرُورَ وَالْفِتَنَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة